مدعوم من google

الأحد، 18 سبتمبر 2011


حــــــراك شعبــــــي
وشهقات خوفا من الماء .... 3/3

بالنظر إلى طبيعة الحراك الشعبي الاجتماعي الذي أخرجناه من دوائره الضيقة إلى فضاء أكثر رحابة وأكثر اتساعا، لنجعل منه حراكا موازين لحجم التغيير المنشود (التغيير المرحلي)، الطامح إليه شعبنا الأردني بكل أطيافه، ولا يمكن تحقيقه إلا بتوفر الوعي الكافي له. ولا يفهم قصدي وكأني اطلب من الأردنيين جميعهم نفس درجة الوعي، بل أن يتوفر لدى الإنسان البسيط معرفيا أدنى مكتسبات الوعي، التي من خلالها يستطيع التمييز والاختيار في حقوقه واجباته؛ كان يختار نائبه، ويحدد مواقفه. فوعينا لم يعد كافيا كحالة مجتمعية، مقارنة بالمستجدات المتسارعة والظروف التي تمر به البلاد والمنطقة العربية، الذي لم يعد يتفق مع كل متطلبات التغيير بدءً من النخب القيادية، ونوع المعرفة التي لم تتجاوز في طرحها حد الشعارات، فهذا هو العجز بعينة.


إن العجز المجتمعي والفساد في السلطة وتدهور أوضاع الناس اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لا يولد في لحظة، معجزة اجتماعية، ولا قنبلة اسمها الحرية أو رصاصة اسمها الثورة، صحيح أنها تعبر عن مظاهر الوعي العام (الوعي المجتمعي)، ولكنه وعي طر فجأة.

فإذا كان الظلم الواقع على الناس وكبت الحريات، واستشراء الفساد الإداري والسياسي وزيادة رموزه، وتزايد الهم المجتمعي اجتماعيا، كلها أسباب محرضة للثورة على الحكومة أو المطالبة بالتغيير والإصلاح، فالمفروض انعقد عزم المجتمع على الانتفاض منذ زمن، رافضين ومحتجين على أسباب الكبت والحرمان والانتقاص من كرامة الإنسان العربي؛ فالفساد السياسي والإداري ليس وليد اليوم واللحظة، فمعانات الشعوب العربية وأنظمتها الحاكمة منذ عقود.

والطارئ على ساحتنا العربية والأردنية مع وجود جذور له هو الظرف الاقتصادي وضنك العيش وارتفاع البطالة بين فئة الشباب، وعمره الافتراضي يقرب من ثلاثة أعوام، التي كفلت بإحداث حراك شعبي عام في الأردن شاركت به هيئات وشرائح شبابية، عرفت معنى العوز والانتقاص من الطموح، إضافة إلى حالات الكبت والسكلوجيا على مستوى عموم المجتمع بتأثر بين الأفراد وبين شعوب المنطقة العربية، بجميع أطيافه السياسية والاقتصادية وأصحاب تيارات فكرية والحزبية والمعارضة وهيئات المجتمع المدني. الأمر الذي يعني إن حراكنا لا يمكن إرجاعه بالدرجة الأولى إلى أسباب سياسية أو أيدلوجية أو عقائدية أو تيارات فكرية، ببساطة هي حالة عامة من الاختناق الشعبي في قلة المادة والفرص المتاحة لجيل الشباب النشط وتمسك جيل سابق بكل مقومات السلطة دون مشاركة نوعية، وعامل التأثر بالمحيط الإقليمي تحت مسمى انتفاضة الشارع العربي على كل رموز الفساد والطغيان.

فهذا الحراك المفاجئ، لم تظهر له مقدمات ولم تنتج عنه سياسات وبرامج وخطط يتلمسها المواطن وتفعيل دورة في البناء والمشاركة السياسية واتخاذ القرار. فأين حالات الخروج عن المألوف، أين حالة الصخب الفكري، أين رموز التنظير الواقعي؟ فالظاهر في طبيعة حراكنا بأطيافه هو لقمة العيش وحالة البلد الاقتصادية، وسواء أوضاع الناس المعيشية والاجتماعية، رغم اعترافي بتنامي سقف مطالب الشارع الاردني. وبين التأكيد والنفي، نطرح تساؤلا كالآتي، إذا تجاوزن هذه الظروف، هل من الممكن أن يقوم حراك شعبي أو يستمر الحراك الحالي ويأخذ أبعادا جديدة؟

فإذا وضعنا وعي المجتمع والهدف من حراكه في الميزان الصحيح بعيدا عن كل التسميات والرتوش؛ فمجتمعنا يأمل بالتغيير، وبدأ يمارس بعض مظاهره، ولكنها ممارسة لا ترقى إلى أكثر من التمني مع تحقيق بعض الانجازات البسيطة التي لا تخدم التغيير المرحلي كثيرا. ولا ننكر إن ما ينتج فيه شيء من الايجابية، ولكنه لا يرتفع إلى المستوى النوعي ويبقى في إطار السطحية بين تخفيف أسعار بعض السلع وزيادة قليلة في الرواتب، وإقالة الحكومة، فهذه تحسينات شكلية تخديرية لا ترقى إلى مستوى التغيير المطلوب، والذي يرجعنا إلى نفس النقطة التي بدأنا منها، وسيبقى الحال على ما هو علية أو يخرج الشباب إلى الشارع مطالبين ومغيرين.

وهذا جله لا يكفل تحقيق التغيير النوعي والمرحلي الذي يطالب به الشارع الأردني الذي دلت عليه نوعية المشاركة في الحراك والمطالبة بالتغيير من هيئات وأفراد ومؤسسات لم يعهد لها المشاركة من قبل بالعمل السياسي، والتي بدأت بالخروج عن مألوفها إلى حريتها. فهذا التغيير في حجم المشاركة ونوعها يجب أن يقابله تخطيط مدروس، ووعي كامل لجوانب التغيير، والذي يتطلب وجود القيادة الشعبية الناجحة في كسب أطياف الشارع الأردني المشارك وحتى القابع في البيوت، تحت منظومة التغيير المرحلي لا الطبقي أو الآني والذي اصطلحت علية بالقيادة الوطنية صاحبة الوعي التأملي، المدركة لجميع المراحل التاريخية، فهذا النوع من التغيير وهذا الإفراز لا يتوفر جلة في البيئة الأردنية بهذا الزخم المعرفي المتفق مع حجم متطلبات التغيير.

والمطلوب من القيادة الوطنية أكثر من الوعي في مراحل تاريخ أردننا وظروفه إلى درجة إدراك آليات وطرق التغيير وكيفية تفعيلها مجتمعيا ولا اقصد استنساخها، ومن بعد أن حصل المراد الأول من التغيير؛ بإسقاط الحكومة بقبول جلالة الملك استقالة الحكومة، ما الذي سيحصل، هل سوف نعود إلى نفس الطرق بتشكل حكوماتنا ونفس النهج السياسي ونفس خطط الإصلاح والتنمية، والواضح أننا مازلنا نراوح مكاننا، فالتغيير لا يزيد عن شعار مرحلي رفع لتهدئه الشارع الأردني.

قليل من السياسيين التقليديين من يعرفون طرق بناء الدولة الحديثة العصرية التي تحقق رغبات الناس وأمانيهم الشعبية والفكرية بجميع تياراتها الوطنية؛ فهم عبارة عن مجموعة من السياسيين العفوين - إلى حد ما - الذين يسعون إلى تحقيق مكتسبات في السلطة بتقاسمها بنفس الطرق التقليدية للحكومات الأردنية وذلك بمجرد وصولة إلى السلطة.

لذا يجب علينا إدراك جذور هذا البناء والتجذير له ليكون مستقبلا يحترم الديمقراطية والعمل النيابي، لتحقيق التغيير والاستحقاق الشعبي بإتاحة الفرصة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا يعني ذلك أنني اشكك في وطنية هؤلاء السياسيين، ولكنه مع تقادم عمر المملكة الأردنية الهاشمية وتعاقب الحكومات لم تختلف سياساتهم ونهجهم وبرامجهم كثيرا عما كانت عليه سابقا. لذا علينا التصالح مع ماضينا وحاضرنا بكل وقائعه التاريخية وظروفه الإنسانية حتى ندرك ذاتنا، وحتى نكون فاعلين في مجتمعنا، وحتى نُكوّن الحراك الاجتماعي المغير والباعث للحرية.

                                                                                                                                       حلمي درادكه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارجو من المشاركين الابتعاد عن اللفاظ التي قد تثير التحفظ، وتقديم الطرح بنقد بناء وموضوعية جدية، لنكون خدميين للحقيقة، وشكرا للمساعدة.