مدعوم من google

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011


حــــــراك شعبــــــي
وشهقات خوف من الماء .... 1/3

           من الرائج في هذه الأيام ما تناقلته الألسن بأحداث ثورتي تونس ومصر والانجازات التي تحققت وبدأت دغدغتها لمشاعر الناس وأمالهم؛ بانعقاد الخير القادم بالتقدم والقضاء على رموز الطغيان والفساد وتحقيق التغيير والإصلاح، لدرجة أن الناس وأهل العلم والسياسيين والمعارضين والحزبين ورجال التيارات الفكرية، اخذوا بالقول بتصدير ما حدث في تونس ومن ثم مصر إلى بقيت الدول العربية، وإنها البداية للحراك الشعبي العربي بالثورة على السلطة الفاسدة ورموزها.


فالتغيير يمكنه الحدوث في أي من المجتمعات العربية، شريطة توافر الشروط التي يمكن أن تحققه؛ فالبيئة خصبه ولكن صوت الناس لم يرقى إلى مستوى خصوبتها؛ فالتغيير لا يأتي بالآمال والتمنيات، وإنما يأتي عقده بالعمل والإصرار عليه، لذلك فالتغيير يحدث من رحم المجتمع المنتج للقيادات الوطنية، والدال عليه واقع المجتمع ووعيه المتعقل بظروف البلد، انطلاقا من قاعدة "كل راع مسؤول عن رعيته"؛ فالإحساس بالمسؤولية والحس الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية الشخصية، كلها مقومات إفراز النخب الوطنية التي تسهم في تأجيج الحراك الاجتماعي، واشتراك نخب وهيئات جديدة في المجتمع لم يسبق لها المشاركة في تحركات مماثلة بدعوى القضاء على  فضاءات الفساد ورمزه.

وطبيعة الحراك الاجتماعي هو تغيير في نوع العلاقات الاجتماعية وتقريب الفوارق الطبقية، ولكننا لا نريد حصره في هذا الإطار الضيق؛ بل لنجعل منه حراكا أكثر اتساعا لا يقف عند حد رفع طبقة وإنزال طبقة مقابلة، وليكون اتفاق شعبي على ضرورة التغيير في حريات الإنسان وحقوقه وواجباته، ونعبر به عن الانتقال من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى، والتي بضرورة يجب أن تكون أكثر ايجابية؛ بان يكون القصد منه صعودا لا نزولا.

ومع وجود الرعاية الوطنية لرجالات الأردن إلى جانب قيادة البلد الهاشمية التي لاختلاف عليها من كل شرائح المجتمع الأردني حتى الان، التي لا تولى جهدا في الثناء على الوطن والمواطن ورعايته وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية اقتصادية أو اجتماعية، ولكن الأجنحة الفاسدة وقوى الطغيان التي تقدم ربحها المادي على وطنيتها، وانتسابها إلى الهوية الأردنية ونسب نفسها إلى القوى الوطنية مع بعدها عن أدنى مسؤوليتها الوطنية؛ فهمها محموم بالتركيز في مصالحها وزيادة ثرواتها ومكانتها الاجتماعية لدرجة إصابتها في حمى رجال السلطة الفاسدين.

ويرتبط الإفراز بالتغيير في أردننا الحبيب؛ بظروف تاريخية واجتماعية ولا يرتبط في الحقيقية من قبل الإصلاحيين بالضرورة، لأنهم سوف يصدمون في الحقيقة التاريخية التي سيدركونها مؤخرا؛ بأن التغيير والثورة لا تنقل بالتأثير أو التأثر والإصابة بالعدوى، رغم يقيني إن ثورتي تونس ومصر تعطي الحافز لانعقاد الحراك في كل بيئاته الخصبة في المنطقة العربية ومنها الأردن.  

فمقومات الثورة وإرهاصاتها الاجتماعية في الأردن – مع تجاوز حدود التسمية - قد تكون ظروفها موجودة، ولكن منذ أن بدا واعي بالتشكل وحتى اللحظة لم أرى أية معالم واطر لها، فالثورة بعيده عنا الآن، لأننا شعب تعود منذ زمن على التلقي لا التغيير التلقائي أو المدروس اجتماعيا، وإنما التغيير يأتي بالفرض لا بالرفض، باستثناء بعض المطالبات والأصوات هنا وهناك بين الحين والآخر المنددة والمطالبة بضرورة التغيير، ولكن مع تصاعد حجم المطالبة بالتغيير بين أفراد الشعب والحكومة، قد يحدث الانفلات الذي أصبح الأردنيون قريبون منه والحكومة تستبعده.

فواقعنا الاجتماعي مازال هش هزيل عاش في غيبوبة تاريخية لوقت طويل، فالتغير حاصل مدام هناك قوي وضعيف ولكن هل نحن من النوع الأول أم الثاني؛ فالقوي هو الذي يفرض التغير والضعيف يستسلم ويسلم، ونحن هكذا كحالة مجتمعية، ولا يعني ذلك انه ليس فينا القوي وصاحب الرأي السديد، ولكن صوته لنفسه ولا صدى له - وان كان - فأثره ضعيف لا يرقى إلى حد القيادة والثورة.

وباستقراء واقع الأردن الاجتماعي والسياسي ومتابعة تشكل ونهج وسياسات الحكومات المتعاقبة، نلحظ أن تشكل النخب الأردنية محكوم بالانتساب إلى الجبهات الرسمية والقوى السياسية الاقتصادية والعشائرية، فلم ترقى حكوماتنا ومجتمعنا إلى مرحلة الإدراك المجتمعي في التغيير لتفرز النخب الوطنية، ولا يعني ذلك خلو الأردن من النخب الوطنية، ولكنها لم تصل إلى حد قيادة مجتمع والقيام بالثورة على الفساد ورموزه أو حتى القيادة السلمية الديمقراطية التي تجمع الشعب حولها، بالقدرة على كسب جولات الصراع مع الحكومة، بطول النفس والتخطيط المدروس وليس الوقوف في الزوايا الضيقة، فينفض الناس من حولهم ولا يعودون يثقون بها وبتحركاتها. فوعينا فيه زيف وحراكنا الاجتماعي فيه يئس، لأنه لم يقترن باليقظة ولا بالشعور، فانا لا أنكر وجودهما، ولكنه وجود على استحياء وخجل ناعم ليس إلى درجة المماحكة والإصرار على التغيير والوقف ضد المألوف.

فالقيادي هو الروح المتحررة من وصاية السلطة - ومعنى السلطة هنا ليس الحكومة فقط بل تعداها إلى أنواع السلطات المختلفة كسلطة المجتمع وسلطة الفرد وسلطة الأب...  بمعنى أوضح أن تمارس أنت كشخص وكذلك القيادي واجبك الاجتماعي وحراكك من دون الخوف من اللؤم أو الخوف أو القلق من أبوك أو أهل بيتك أو أصدقائك أو من قطع راتبك أو من الاعتقال والتعذيب أو السجن أو .... هذه السلطة التي اقصد.

لنصل إلى التحرر الكامل من كل قيود التبعية، لتسهم في تحرير المجتمع من السلطة الاجتماعية والسياسية حتى يكون مقبولا، ولا يكون مسهم في التغيير على مستوى العلاقات الإنسانية وتنظيم الحياة الاجتماعية وبناء المؤسسات المدنية الوطنية، بمعنى تملكه للوعي التأملي؛ وهذا الوعي دال على نوع المعرفة التي تكون حاضرا ذهنيا ومعرفيا عند الشخص بمعنى اليقظة مقابل الغيبوبة أو عكسها، والقصد أن يكون الشخص واسع المعرفة عالما بكل المراحل التاريخية السابقة والحاضرة والمستقبلية (السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والقانونية - الدستور – والاجتماعية ودرجة وعي المجتمع)، بمعنى أن المطلوب من القيادي الوطني الأردني شمولية المعرفة النوعية، ليكون أكثر قدرة على التغيير والتعامل مع مستجداته، وعارف ما الهدف من التغيير ولماذا وكيف السبيل إليه بتحقق، وشرط نجاحه؟. لهذا قلت عنه صاحب الوعي التأملي، لان التأملي لا تعني العبثي ولا الخيالي بل هو الأكثر علما ودراسة وبحثا بين جميع أفراد مجتمعه.

        فعندما تسقط الحكومة مثلا ما هو شكل الحكومة الجديدة وما هي طريقة تشكلها، هل ستتشكل على نفس المنهج السابق، وما هي أسس اختيار رئيس الوزراء وكذلك الوزير؟، فإذا كان القيادي لا يعرف كل ذلك، وبان يكون حاضرا في الذهن وفي المعرفة المخزنة، فان حراكه في التغيير سيكون سطحيا ولا فائدة منه.

 وهذا يتطلب وعيا بجميع المراحل التاريخية السابقة بدعوى الانفصال التي دعا إليها رولان بارت بقولة "الانفصال عن الذي لم يعد ممكنا‏" وهي نزعة تدعوا إلى أهمية الحاضر والتعلق في مواجهة الماضي، والماضي هو الذي بدأ منذ لحظة سابقة قريبة ليست بعيدة.

hilmi_daradkeh@yahoo.com

حلمي درادكه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارجو من المشاركين الابتعاد عن اللفاظ التي قد تثير التحفظ، وتقديم الطرح بنقد بناء وموضوعية جدية، لنكون خدميين للحقيقة، وشكرا للمساعدة.