مدعوم من google

السبت، 10 سبتمبر 2011

حــــــراك شعبــــــي وشهقات خوف من الماء ... 2/3


حــــــراك شعبــــــي
وشهقات خوف من الماء .... 2/3

يرتبط الحراك الأردني تاريخيا بثلاثة أمور، الأول: الدولة ممثلة بالحكومة، والثاني: المعارضة، والثالث: الوعي الشعبي. فالحكومة لا تهتم في أيامنا الحاضرة بالعقلانيين والمتعقلين وأهل العلم ولا بالفكر والفلسفة، وتتعمد إغفال دورها في الإسهام بنشر الثقافة المتعقلة الواعية والمنطقية، وفي حالة الفرض؛ هي المسؤولة عن ترشيح كثير من النخب الوطنية العقلانية في مراكز قيادية للإنتاج والبناء، وهذا مالا تريدها حكومتنا ويريده شعبنا.

وممارسة الحكومة وفلسفتها قائمة في أساسها على اختيار نخبها وشخصيتها بناء على فلسفتها المكرسة لمصالحها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتوافقاتها الفكرية بغض النظر عن طبيعة هذه الطبقة أو انتماءها؛ لافتقارها إلى الثقافة العقلانية التي من شأنها أن تؤسس لكثير من البدائل المعرفية، حول مفهوم السلطة وفاعلية الإنسان وقدرته على التغيير- إذا ما اكتسب المعرفة اللازمة لذلك - مع حرصها على مراعاتها لطبقتها الاجتماعية بعموم مصالحها، في حل التشابك وفي حال الاختلاف على المكتسبات والمستحقات، محافظة على ظاهرها العام من الخلل أو المساس به؛ فهي بمثابة الجهاز الخفي الذي يعمل لتحقيق الثبات للحكومة وأفرادها.

وذكر وليد المسعودي، إن الأنظمة العربية ومنها الدكتاتورية المشجعة للثقافة الشمولية صاحبة القوالب الفكرية الجاهزة ولفترة زمنية طويلة، جعلت الشعوب العربية تقبل هذه القوالب الفكرية الجاهزة كمعطى أولي ثابت في قانون المجتمع بقدرة عجيبة عند المجتمعات العربية. والأردن بعيد عن هذه النزعة الفكرية وطريقة الحكم؛ لارتفاع سقف الحرية به إلى حد ما، ووعي بعض النخب الفكرية الأردنية، والحالة الشعبية السائدة التي لا تثق بالموجود وتطالب بالتغيير، واخذ هذا الحس بالتنامي بين الجمهور شيئا فشيئا. فهذه الحالة أدرجت بعض الحالات الفكرية والمطالبة ببعض المفاهيم والمصطلحات الكبيرة الدالة على التغيير والحرية والحقوق المدنية والمعارضة في دلالاتها للحكومة، إلا إن حكوماتنا جعلت من هذه الظواهر الفكرية حالات لاستمرارها وتكريس وجودها معللة لها؛ بأننا بلاد تنعم بالحرية والتعبير عن الرأي، مستدلٍّ بالحراك الشعبي كمظهر من مظاهر احترام الحريات وحجم حرية التعبير والشواهد عليه كثيرة، ولكن التفسير يمنح السلطة فاعلية  أكثر منه للمواطن، كقول رئيس مجلس النواب فيصل الفايز: إن طبيعة هذا الحراك الأردني ليدل على الحالة الصحية في أردننا وأننا بخير، وعاد في مناسبة أخرى واعتبره خروج على القانون والحريات التي منحها الدستور للمواطن الأردني، مستطردا بضرورة إيقاف التحركات الشعبية. فهذا يدل على قدرة الحكومة على كسب بعض الحالات الفكرية والمعارضين إلى صفها بالمكتسبات الممنوحة لهم وانضواؤهم تحت علم السلطة ورايتها وتزيف الحقائق واللعب بالألفاظ وتخدير المعارضين وأفراد الشعب- كأن نسمع بعض الأصوات أعطوا الحكومة فرصة لنرى ماذا ستفعل (فالعنوان مقري من عنوانه)- وبمجرد الخروج من السلطة لسبب ما، يرجع وسيرته الأولى معارضا عنيفا، وينطبق هذا على المؤيد للحكومة في الأساس والمعارض فيما بعد؛ وقدرتها على تحويل المعارضة الفكرية والسياسية على اعتبارها حالات من ارتفاع سقف الحرية والمشاركة السياسية التي تمنحها لهم.

وبتكرر الأمر عينه بأشكال مختلفة عبر مراحل تاريخية، اعتقدوا وكان الشعب الأردني بدأ مقتنعا بالطرق الإجرائية الحكومية المتعاقبة، لكن حراك الأردنيين الشعبي الذي فاجئ الحكومة بحجمه ونوعه مع تأخره وتباطئه قبل تغيير حكومة الرفاعي، والراجع إلى طبيعة المجتمع وروح الانهزام التي عبرت عنها مراحل تاريخية مختلفة؛ وضعف الوعي المجتمعي الكامل كحالة مجتمعة، فهو وعي سطحي لا يصل إلى درجة المطالبة الفعلية والنقد الموضوعي ومتطلبات التغيير الحقيقي. 

أما المعارضة ففي أفضل حالاتها لا تختلف كثيرا عن ما هو سائد من النهج السياسي وإدارة الأزمات وفي الخطط والبرامج الإصلاحية، ونظرتها إلى الثقافة ونشر الوعي بين أفراد المجتمع، فالاختلاف بين الحكوميين والمعارضين، اختلاف شكلي إلا بعض الاستثناءات، كالطرق الإجرائية بعملية التعبير ونوعية الخطاب والبرامج؛ فمضامينها تقتصر دون تلمس أثرها في المواقع المظلومة ولا في الأحياء الفقيرة ولا في العمالة المسحوقة ولا في حرمان المعلم من تشكيل النقابة ولا في حجم المشاركة السياسية الفاعلة، ولا في قدرتها على المشاركة في إدارة الأزمات السياسية الإقليمية والدولية دون خوف أو كسل أو جمع التوافق الشعبي. وهذا ما ذهب إليه الدكتور محمد جميعان في مقالته، بعنوان: مسيرات الجمعة؛ محاولة للفهم "فقدان المعارضة ومقارها لأي تأثير في حياة الناس ووجدانهم السياسي والاجتماعي والثقافي مما يضعنا في حاجة ملحة وضرورية لأحزاب وقوى تلامس حاجات الناس وهمومهم وتشكل دعامة أساسية في استقرار الدولة"

فأزمتها في طبيعة بنائها الثقافي ودلالات مفاهيمها، وفي طبيعة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يفقدها القدرة على التغيير والقضاء على الفساد ومحاولة الإصلاح الحقيقية. فهي لا تختلف كثيرا عن الحكومة في النهج والسياسة وستلعب نفس الدور عند وصولها إلى السلطة، الذي يفسر لنا، لما تحركها هذا، ولماذا تعارض؟. ويذكر فيصل فرحي في مقال له "المسكوت عنه في خطاب المعارضة" "يفتقد الأردن إلى وجود معارضة سياسية وطنية ترتفع بسقف الخطاب السياسي من الحدود الدنيا التي يلتزم بها، إلى مستوى عال يتناول القضايا الجوهرية التي تعني المواطن وتصيب كرامة وسمعة الدولة في الصميم".

 فمثلا، الإخوان المسلمين لم يشاركوا في الجمعة الأولى في الاحتجاجات والمظاهرات؛ لقناعتهم بعدم القدرة على تحقيق التغيير وبعدم وجود المؤيدين للمظاهرات الذي يمكن أن لا يزيد عددهم عن بعض المئات، ولكنهم عادوا وشاركوا في الجمعة التي تليها (الجمعة الثاني)، برأيكم لماذا؟. 

فطروحات المعارضين العملية عموما لم تتعد الشعارات البراقة التي تمس مشاعر المواطن البسيط لتخدعه بالتزييف والنفاق. فأملنا بها مقطوع والخوض فيه للإحياء كأنه السكب في إناء مكسور، لهذا ذهبت ما ذهبت إليه من القول، بضرورة إفراز النخب القيادية من رحم المجتمع، والذين لا يتولدون من السلطة ومن مماحكتها باسم المعارضة التي لها أهداف قد لا تكون بعيده كثيرا عن أهداف حكومتنا الأردنية ولكن تحت تسميات وألقاب جديدة.

إن الأردن الأن، وفي لحظات سابقة- كان ومازال - بحاجة إلى معارضة وطنية تقدم خطاب سياسيا جديدا يمس هموم وقضايا المجتمع الأردني، بالابتعاد عن الشعارات التي لا تقدم ولا تُأخر، فوطننا بحاجة إلى رجال وخطابات نوعية؛ تتناول الفساد السياسي والإداري وهموم المواطن ومعيشته والدور الواجب لإدارة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


حلمي درادكه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارجو من المشاركين الابتعاد عن اللفاظ التي قد تثير التحفظ، وتقديم الطرح بنقد بناء وموضوعية جدية، لنكون خدميين للحقيقة، وشكرا للمساعدة.